ما هي اسباب و علاج الإدمان على الكحول و المخدرات
يُعانون من الوحدة خاصة بعد أن يتوفى الشريك ويترك الأولاد المنزل ويبتعدون عنهم
الإدمان بعد الخمسين … الأزمات النفسية قد تجرفهم إلى هاوية الكحول والمخدرات !
الإدمان عادةً يبدأ في سنٍ مُبكّرة
من المتعارف عليه ، وكذا ما تُشير معظم الدراسات المتخصصة في الإدمان ، بأن الإدمان عادةً يبدأ في سنٍ مُبكّر ، خاصةً في مرحلة المراهقة ، أو في بداية مراحل النضوج في سن العشرينات أوالثلاثينات من العمر. وغالباً ما يبدأ بالتدخين ثم ينتقل الأمر إلى الكحول أو المخدرات الآخرى حتى يصل الأمر إلى المخدرات القوية مثل الهيرويين والكوكايين. وللأسف فإن كثيرا من الذين يصلون إلى مرحلة الإدمان للمخدرات القوية قد يموتون في مراحل مبكرة من العمر ، إما بجرعاتٍ زائدة من المخدر أو بمضاعفاتٍ للمخدرات بتأثيرها على أجهزة الجسم.
المشكلة الآن أن بعض المدمنين يببدأون في سنٍ متأخرة ؛ ربما بعد الخمسين من العمر.
رجل كان لا يتناول أي مخدرات ، وحتى لا يُدخن ، بل كان يكره التدخين والكحول ، ولكن بعد سن الخمسين ، مرَ بظروف نفسية جعلته يدخل في كآبةٍ مرضية وظروف اجتماعية سيئة ، فما كان منه إلا أن لجأ لأسوأ خيار ليُعالج به مشاكله النفسية وهو اللجوء إلى المخدرات. كما العادة ؛ بدأ بالتدخين الذي لم يكن يحبه ، ثم بالكحول ثم دخل في المخدرات الثقيلة مثل الهيرويين.
هذه الحادثة تقودنا إلى ألا نتوقّع بأن الإنسان عندما يصل إلى سنٍ مُعينة فإنه يصبح في مأمن من ألا يُقدم على تعاطي المخدرات. وقصة هذا الرجل الذي وقع بعد سن الخمسين في أكثر أنواع المخدرات خطورة ، وكل هذا نتيجة أن وقع في مشاكل اجتماعية ونفسية ، وهذه الأمور مُعرّض لها أي شخص في أي مرحلةٍ من العمر ، ومن الخطأ أن نتوقّع بأن الشخص إذا تقّدم في العمر كانت لديه حصانة ضد أن يتعاطى مخدرات أو أن يقع في مشاكل مع القانون بسبب التعاطي.
كثير من الأشخاص ، سواء كانوا رجالا أونساء يمكن أن يقعوا في الخطأ ، خاصةً في الإدمان على الكحول وهو أمرٌ غاية في الخطورة ، وكذلك فهو مقبول اجتماعياً في معظم دول العالم ، ويتدّرج الشخص في تعاطي المخدرات في سنه المتأخرة بسبب الوحدة ، والمشاكل الاجتماعية وكذلك المشاكل المالية والعاطفية.
لقد شاهدتُ قبل أعوام فيلماً عن شخص تقاعد بعد سن الخامسة والستين ، وكان لديه أحلام وطموحاتٍ يُريد أن يُحققها بعد تقاعده. ولكن وجد أنه يُعاني من الفراغ وعدم التقدير من الآخرين وأن ليس له مكانة في المجتمع. حتى المؤسسة التي كان يعمل بها لسنواتٍ طويلة حتى تقاعده ، لم يعد أحد ممن يعملون هناك يُريد أن يراه ، حتى عندما ذهب ليزور الشخص الذي حلّ مكانه في العمل ، لم يستطع أن يتحّمله لبضع دقائق ، حيث اعتذر الشاب الذي أصبح يجلس على مكتبه بأن لديه اجتماعا وتطوّع بأن يقوم ليوّصل الرجل الذي كان قبله إلى المصعد ، وهو طرد بطريقة مؤدبة!.
شعر هذا الرجل بالحزن ودخل في مرحلة من الحزن والكآبة ، وكانت زوجته العجوز تحاول أن تُخرجه من هذه الوحدة والكآبة لكنه عاد في يوم ليجدها فقدت الحياة في المطبخ ، حيث وجدها متمددة دون حياة. أصبح وحيداً بدون علاقات اجتماعية أو أصدقاء ؛ فقد كان عمله هو كل حياته. دخل في دوامة شديدة من الاكتئاب ، وبما أنه كان يعيش وحيداً في منزل بعد وفاة زوجته ، فقد أدمن الكحول ، وأهمل تغذيته ، وكذلك أهمل نظافته الشخصية ، وبما أن لا أحد يعرف عنه شيئا فقد أصبح كل ما يفعله هو أن يشرب لعل ذلك يُخرجه من الكآبة والحزن ومشاعر الوحدة التي يعيشها. أهمل هندامه ، فلاحظ ذلك أصدقاؤه وجيرانه الذين حوله ، فاتصلوا بابنته التي تعيش في ولاية بعيدة عنه وتستعد للزواج ، فحضرت الابنة لترى والدها في حالةٍ مُزرية. حاولت إخراجه من الوضع المزري الذي أغرق نفسه فيه ولكن لم تنجح. بقيت عنده بضعة أيام ثم غادرت ولايزال والدها في وضعه المأساوي.
تقول الدراسات بأن كبار السن الذين يُدمنون يُعانون من الوحدة ، بعد أن يتوفى الشريك ويترك الأولاد المنزل ويبتعدون عن والدهم أو والدتهم ، فيعيش كبير السن في وحدة وكآبة فيلجأ إلى أمور آخرى يعتقد أنها سوف تخرجه من هذه المشاعر.
الشخص الذي يتجاوز الخمسين من العمر وهو لا يُدخن ولا يشرب عادةً يستمر على هذا المنوال ولكن يحدث في بعض الأحيان أن الشخص بعد هذا السن قد يُصبح مدمناً.
وغالباً ما يبدأ بالتدخين
اللجوء للعلاج أمر في غاية الأهمية بالنسبة للأشخاص كبار السن الذين يتورطون في الإدمان بأي نوع من أنواع الإدمان. والعلاج لا يكون فقط طبياً أو عن طريق العلاجات الدوائية ولكن يحتاج علاجا نفسيا واجتماعيا. فالشخص كبير السن يصعُب عليه في كثير من الأحيان أن يتأقلم مع المجتمع المحيط به ، خاصةً في الدول الغربية ، وللأسف بدأ هذا الأمر يظهر في بعض الدول الاسلامية والعربية.
الشخص كبير السن يحتاج إلى أن يكون ضمن مجموعة أو جماعة في مثل سنه ، يتواصل معهم اجتماعياً ويجد أشخاصا يتواصل معهم ويتبادل الزيارات ، خاصةً إذا كان وحيداً وليس له أصدقاء أو أقارب مرتبطٌ معهم. إن التواصل في غاية الأهمية ، وهناك جمعيات في الدول الغربية للأشخاص المدمنين يجتمعون في أوقاتٍ مُتقاربة يتكّلم كل واحدٌ فيهم عن مشاكله الخاصة وهذا يساعد كثيراً في تخفيف القلق ويقلق من الشعور بالوحدة والعزلة التي يعيشها.
إننا ولله الحمد في مجتمع مُترابط ، تنتشر فيه الصلات بين الأقارب وكبار السن لهم تقدير من قِبل أفراد المجتمع ، ولذلك تقل عندنا نسبة الإدمان بين كبار السن ، ولكن هذا لا يمنع أن تتواجد نسبة قليلة من مثل هذه الفئة التي قد تُعاني من الإدمان ، وقد شاهد بعض الزملاء الذين يعملون في مجال الإدمان بأن هناك بعض كبار السن من المدمنين على الكحول ومخدراتٍ آخرى ، ولكن بالطبع بنسبة ضئيلة جداً مقارنةً بالمجتمعات الآخرى.
إن مُراعاة الحالة النفسية والاجتماعية لكبار السن أمرٌ في غاية الأهمية ، ووجود أماكن ترفيهية لكبار السن ، خاصةً بعد التقاعد أو عندما لا يكون لديهم وظائف أو ليس لديهم علاقات اجتماعية بسبب انشغال أفراد عائلاتهم عنهم. إن وجود مثل هذه الأماكن يُساعد كثيراً في تخفيف أعباء الحياة ويجعل كبار السن يشعرون بأنهم جزء من المجتمع.
لقد زرت مركز الأمير سلمان الاجتماعي في الرياض ووجدتُ فيه إمكاناتٍ جيدة لكبار السن ، توفّر لهم المتعة والفائدة ، فبالاضافة إلى الامور الترفيهية والرياضية ، هناك أيضاً أنشطة اجتماعية وكذلك خدمات طبية بسيطة مثل فحص لمستوى السكر في الدم والمساج الطبي ، وكذلك تُقام أنشطة اجتماعية وثقافية متنوعة ، وجميع الخدمات الطبية بأسعار زهيدة ، وأعتقد أن تعميم مثل هذا المركز في بقية مدن المملكة أمر مفيد ونافع لكبار السن الذين قد يُعانون من الفراغ بعد التقّدم في السن.
إن مثل هذه المراكز لها دور لا يُستهان به في تعزيز الحياة الاجتماعية لكبار السن ويقي الشخص من الوحدة ويمنع الكآبة ومشاعر الملل وبالتالي يمنع الشخص كبير السن من اللجوء إلى أي أشياء آخرى مثل التدخين أو الكحول أو حتى الأدوية المهدئة أو الوقوع في براثن الكآبة التي تحتاج إلى أدوية وعلاجات ضد الاكتئاب.
* ماذا عن الأشخاص الذين بدأوا في تناول وتعاطي المخدرات منذ كانوا صغاراً في السن وواصلوا الإدمان حتى بعد أن كبروا في السن؟.
– هذا موضوع في غاية الحساسية ، فثمة أشخاص فعلاً بدأوا في التدخين في سنٍ مُبكرة وبعد ذلك وصلوا إلى تناول الكحول واستمروا في تعاطي الكحول حتى بعد تقدمّهم في السن ، وفي المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات الشرقية هناك نسبة لا يُستهان بها من الأشخاص كبار السن المدمنين على الكحول على وجه الخصوص. مع التقدّم في السن والإدمان على الكحول فإن الشخص كبير السن يُصبح عرضةً للكثير من الأمراض العضوية والنفسية. كما ذكرنا في مقالاتٍ سابقة فإن تعاطي الكحول لفتراتٍ طويلة يُصيب الكبد بالتليّف ويؤثر على الجهاز الدوري ( القلب والأوعية الدموية ) والجهاز الهضمي ، حيث قد يُسبب في قرحة في المعدة واضطرابات أخرى في الجهاز الهضمي ويُصبح الشخص كبير السن ، مريضاً بأمراض كثيرة ويُصبح أكبر من سنه الحقيقي وقد يقود الكحول إلى مشاكل نفسية أيضاً ، حيث ان الشخص قد يُعاني من أعراض تُشبه أعراض مرض الزهايمر ، حيث يُصبح كثير النسيان ، قليل التركيز ، وقد يُصاب بالخرف نتيجة الكحول ، حيث ان الكحول أحد الأسباب التي قد تقود للإصابة بالعتة (الخرف).
إن الرجوع للدين واتباع تعاليمه منذ الصغر يُساعد المرء على البعد عن مثل هذه السلوكيات الضارة ، وفي سنٍ متأخر فإن اتباع تعاليم الدين خير وسيلةٍ للتغلّب على هذه الأخطار التي تُحدق ببعض كبار السن. حتى في الغرب فإن كثيرا من الاجتماعات التي تُعقد بالنسبة لمدمني الكحول تُعقد في الكنائس ويحضرها قساوسة ورجال دين وهذا يُساعد كثيراً في مساعدة المدمنين على الإقلاع عن الإدمان. وفي السن المتقدم يكون الشخص أكثر ميلاً نحو الدين ، ويكون لديهم القابلية والاستعداد للجوء إلى الدين. لذلك نُلاحظ كبار السن في معظم أنحاء العالم هم الذين يذهبون للأماكن الدينية ، والذي يذهب إلى مكة المكرمة على سبيل المثال يرى أن أكثر مرتادي بيت الله الحرام هم من كبار السن.
إن هذا المقال يأتي نظراً لأننا بدأنا نرى أشخاص تعدّوا سن الخمسين ويقعون في الإدمان ولذلك يجب أن نكون على معرفة بهذه المشكلة التي لا نُعاني منها – بفضل الله – كثيراً في مجتمعنا ، لكن التعريف بهذه المشكلة أمر قد يُفيد بعض الذين يستغربون لجوء بعض كبار السن إلى التدخين أو الكحول ، وهؤلاء يمكن أن تتم مساعدتهم بصورة أفضل من الأشخاص المدمنين منذ سنين طويلة.
العوامل الاجتماعية ضرورية وهامة جداً في جعل كبار السن يلجؤون إلى مثل هذه السلوكيات ، لذا فإن الانتباه إلى العوامل الاجتماعية لهذه الفئة من المجتمع أمرٌ ضروري جداً.
إن بعض القرّاء قد يستغربون أن يكون في مجتمعنا بعض كبار السن مدمنين ، وربما يرجع هذا إلى عدم انتشار هذا الأمر ، ولكن الحقيقة أن مثل هذه المشكلة موجودة بصورة بسيطة ولا تُشكّل ظاهرة كما في بعض الدول الآخرى ، حيث تواجه كثيراً من كبار السن يترنحون في الشوارع ، بل وأحياناً بعض المسنين من مدمني الكحول ويعيشون في الشوارع بلا مأوى ، وكثيراً نقرأ في الصحف الأجنبية أن مسناً أومدمناً أومدمنة على الكحول ويعيش بلا مأوى توفي نتيجة البرد وعدم قدرته على الصمود في الصقيع وتأثير الكحول عليه.
نتيجة الوحدة قد يلجأون إلى أي أشياء متعددة مثل التدخين أو الكحول