الأسرة المدمنة
إذا كان من المؤكد أن المكون الفسيولوجي في بعض أشكال الإدمان الكيماوى يمكن توليـده ، في بساطة ، عن طريق تكرار التعرض لمخدر من المخدرات في فترة لاحقه من حياة الإنسان ، فإن المكون العاطفي للإدمان أو إن شئت فقل “مرض الإدمان – ينشأ ، في العادة ، أثناء الطفولة . وهذا المكون ينشأ عن التجارب التي نمر بها في أسرنا .
تری ، ما نوع تلك الأسرة التي تدعم الإدمان وتقويه ؟ وإن كان ذلك يحدث بسهوا وعن غير قصد. نحن نعرف أن الأسر “المفككة” ، التي يكون فيها مطلقين أو منفصلين ، تمثل أكبر التهديدات لاستقامة أطفال هذه الأسر عاطفيا . ولكن واقع الأمر أن الشكل العام لارتباط أفراد الأسرة بعضهم ببعض ، أو إن شئت فقل المناخ الأسرى سليما أم غير ذلك – هو الذي يحدد احتمالية دخول أو عدم دخول فرد من أفراد الأسرة إلى دائرة الإدمان .
والوظيفة الرئيسية للأسرة هي أن تكون حاجزا بين الفرد والمجتمع ، حتى يتسنى لها حماية أفراد الأسرة من الأخطار والضغوط الخارجية . أضف إلى ذلك ، أن الأسرة هي أرض التدريب التي يكتسب منهـا أعـضـاء الأسرة المهارات اللازمة لمواجـهـة الحياة ، أو إن شئت فقل : إن الأسرة هي المكان الذي يلجأ إليه أفرادها كي يعيدوا تزودهم بالوقود . أضف إلى ذلك ، أن الأبناء يعتمدون على أسرهم في تقوية اعتدادهم بأنفسهم ، حتى لا ينهار – أو يتدهور ذلك الاعتداد . والمؤسف أن كثيرا من بيوت المدمنين لم تكن بالنسبة لهم المكان الذي يعيدون فيـه تزودهم بالوقود ، وإنما كانت تلك البيوت مجرد أماكن تعرض فيها اعتداد أولئك المدمنين بأنفسهم لخطر الهجوم عليهم .
هـذا ويمكن أن ننظر إلى وباء الإدمـان باعـتـبـاره ممارسـات وبائية في تربيـة الأطفال ، تدفعهم إلى الاعتقاد بأنهم ” ليسوا على المستوى المطلوب” . يضاف إلى ذلك ، أن الحقيقة التي مفادها أن الإدمان “مرض عائلي” ، ينتقل من جيل إلى جيل ، يرجح أن تكون صلتها بنقل ذلك المعتقد هو وبعض المعتقدات الإدمانية الأخرى ، أقوى من صلتها بالاستعداد الوراثي ( رغم أن الاستعداد الوراثي موجود أيضا في أشكال الإدمان الكيماوي ).
وليس من الضروري أن تكون الأسرة المولدة للإدمـان أسـرة مـفككة أو مـخـتلة الوظائف . وعلى العكس من ذلك ، فإن غالبية الأسر التي نشأ فيها المدمنون تبدو أسرا متماسكة تماما ، والتفكك لا يظهر إلا في الأطفال الكبار” الإدمانية .
ومن بين المصاعب التي تواجهنا في عملية تحديد سمات الأسرة المدمنة والتعرف إلى هذه السمات ، أن السلوك الإدماني بلغ من الانتشار والشيوع في مجتمعنا حدا أصبح الإدمـان معه هو المعيار الذي نزن به والمقياس الذي نقيس عليه . يضاف إلى ذلك ، أن بعضا من ظروف ثقـافـتنـا يقـوى ويدعم الكثير من التفكك الأسرى . وفي المجتمع الذي يجرى التركيز فيه بشدة على الصورة ، وعلى الأداء ، وعلى النجاح وكذلك ممارسة القوة على الآخر ، نجد أن الأباء ينحـون جـانبا لاحتياجات الأطفال والسبب في ذلك أن أولئك الأباء أنفسهم يكافحون من أجل الحفاظ على المكون العاطفي والمكون الاقتصادي في حياتهم . والآباء عندما يتحتم عليهم إنفاق الكثير من طاقتهم العاطفية وطاقتهم البدنية لمجرد الحفاظ على أسلوب حياتهم الخاص واعتدادهم
بأنفسهم لا يتبقى لهم شيء كي ينفقونه في دعم أطفالهم وتوجيههم وتنشئتهم عاطفيا ونحن ، إلى حـد مـا ، أصبحنا شعبا تخلى عن أطفـاله . وهذا التخلي هو لب المشكلة الأسرية التي يقوم عليها وباء الإدمان في أيامنا هذه والسمة البارزة التي تميز الأسر المولدة للإدمان تتمثل في فشل تلك الأسر في مـواجـهـه متطلبات الإدمان بين أطفالها ، لا عن طريق الإهمال التام والتخلى ، وإنما يكون ذلك ، في أغلب الأحيان ، عن طريق مـجـرد الفشل في الاعتراف بواقع الطفل العاطفي . والأسر ، كما سيتضح لنا ، تقع في هذا الفشل عندما توصل للطفل مـا مفاده إنه “ليس من السليم” أو الصحيح أن تكون له مشاعر خاصة ومدركات خاصة به أيضا . ونتيحة ذلك على الطفل – ذكراً كان أم أنثى – تتمثل في أن الطفل يتعلم كبت ذاته الحقيقية ( تكامله العاطفي وحيويته العاطفية ) ، ويقيم بدلاً عنها ، ذاتا وهمية .
وجون برادشو عملية كبت الطفل لذاته الحقيقية اسم “مغتال الروح” . و”اغتيال الروح” هذا هو المشكلة
، في كتابه المعنون رأی برادشو في الأسرة ، لذاته یعنی اغتيال روحه ونظرا لأننا كمجتمع بدأنا نعطى الصورة قيمة أكبر من المادة ، ونعطي الوهم أهمية أكبر من الحقيقة ، ونظرا أيضا لأننا نعلق قيمة أكبر على “ما هو قادم” بدلاً “مما هو كائن” ، فقد بدأ عجزنا يتزايد أكثر وأكثر عن “التواجد” مع أطفالنا على نحو فاعل
ومؤثر . وقد أسفر ذلك عن تحول كثير من الأطفال من الناحية البدنية إلى كبار بالغين ، وبدأوا أيضا يلعبون أدوار الكبار دون أن يكونوا قادرين أو مستعدين داخليا لمواجهه تحديات الحياة ، ومن ثم أصبحوا قابلين للتأثر بسحر الحلول السريعة وجاذبيتها . هذا يعني أن هذا الصنف من البشر قد أصبحوا “أطفالاً – ر راشدین
و ومصطلح “الطفل – الراشـد” نحـتـه صـاحـبـه أول مـرة ليـصـف به الأطفال الراشدين مـدمنى المشروبات الكحولية ، ومع ذلك ليس الأطفال – الراشـدون مـدمنو الكحوليات هم وحدهم الذين يطلق عليهم هذا الوصف . وأطفال أحـد الأبوين الذي لم يستطع أن يكون هناك – بدنيا أو عاطفيا – معرضين لأن يصبحوا أطفالاً – راشدين ؛ هذا يعني أن أولئك الأطـفـال إنما يدخلون مرحلة الرشـد ( البلوغ ) ولديهم كثير من احتياجات التربية التي لم يشبعوها . واقع الأمر ، أن كثيرا من سمات الشخصية المدينة التي أوردناها في الفصل الخامس ، تنها يحل من ذلك الو جران الى ألفي والسوري في ذلك أن في مقام الانسان المنيليا ، والي مدركانه والله انكاره اسالم إملاء الأساساور والغرامات الأسرية وأسالم الصورة الشعبية إنما يحمل الملفل بحس أنه ليس على المستوى المطلوب ، هذا يعني أن الفلفل بجرين ذاته العليا يا كما أن حالت بدار الكارون منا عندما يستمعون إلى القصص التي تحملها الأحرار إليها من سرة الأسهم والسندات الناجمين ، ومن المحامين الناجمين أيدنا ، بل ومن كثير من الأمرين الذين ولدون أداء حسنا واكلهم أدمنوا مخدرا مثل الكوكايين ، والسامل منصور : ترى ، ما الذي حدث حتى يجعل أوائل الناس مفككين على هذا النحو ؟
واقع الأمر ، أن حقائق القصة الظاهرية عادة ما تخفي وراء أداء بعض الشخصيات الونية العيد ظاهريا ، طفلاً – راشدا ، يعاني من بعض الاحتياجات الخبيثة التي ام بور إشباعها أثناء تربيته أو تنشئته قد لا تصدق ، ولكن هذا هو الواقع ، أن الغالبية العظمى منا ليست سوى أطفال راشدين ، يزعم شـارون وجشيدر كروس ، وهو رائد من رواد علاج الأطفال مدمنى المشروبات الكحولية وعلاج المدمنين المرافقين ، أن حوالي 11 في المئة بالتمام والكمال من الأمريكيين هم من المدمنين المرافقين ( أو إن شئت فقل : أطفال راشدون ) والسبب في ذلك أن هذا النوع من المدمنين ينحدر من واحد من ثلاثة مواقف أسرية هي التي تدعم حالة الطفل – الراشد وتساندها – وتتمثل تلك المواقف الأسرية الثلاثة فيما يلي : -(۱) الأسر التي تجرى فيها علاقات الحب أو الزواج من مدمنى المشروبات الكحولية ، (۲) الأسر التي يكون فيها الأب أو الأبوين أو الأجداد من مدمنى
المشروبات الكحـوليـة ، (۳) الأطفال الذين ينشأون في الأسر التي تمارس الكبت العاطفي .”
كيف يمكن أن تكون التربيـة ، أو إن شـئـت فـقـل : التنشئة ، في كنف أسرة لا تسمح بحرية التعبير عن العواطـف مـدمرة ومخربة شـأنها في ذلك شأن النشأة أو التربية في كنف أحد الوالدين عندما يكون مدمنا للمشروبات الكحولية؟ إذا كانت الأسرة من النوع الذي لا يسمح بالتعبير عن المشاعر والإفصاح عنها ، فذلك يعني أن وان الطفل – فما كان أم أنثى – الحقيقية – تكون مرفوضة بكل تأكيد ، ويخبر الطفل ذلك الرقص على شكل استسلام شديد – شاته في ذلك شأن الطفل الذي لا يلقى مثل ذلك الرفض من أبوين مناسباته عداءا صريحا وغير مستقرين .
والأسرة في المكان الذي تلقى فيه بحق كل المعلومات الخاصة بنواتنا خلال العامين الأولى من حياتنا ، يضاف إلى ذلك ، أن المعتقدات التي تكونها عن نواتنا ، ون الأمر ، ومن العالم من حولنا إنما تنشأ عن التقنية الارتجاعية ، أو إن شئت فقل من الامكان المراوي” ، الذي تستقبله من الوالدين ، والوالدان إذا ما ابتسـمـا لنا ابتسامة دافئة فذلك يعني أن ما تفعله “على المستوى المطلوب” ؛ ولكنهما عندما يغلظان أو يغضبان أو يلمان إلى العنف ، فتلك رسالة منهما إلينا أن ما نقوم به “ليس على المستوى المطلوب .
ولعلنا تقارن التغذية الارتجاعية الإيجابية التي توفرها الأسرة السليمة بتلك الاساليب الإدمانية التي تتخلى بها الأسر المدمنة عن أطفالها ، ونظراً لأن الوالدين ، في تلك الأسرء، يكونان في أغلب الأحيان هم أنفسهم طفلين -راشدين ( بالمعنى الأوسع للمصطلح السابق ) ، فـإنهـمـا يكونان مازالا مشغولين بمحاولة إشـبـاع احتياجاتهم العاطفية الخاصة ، علما بأنهم ، في معظم الأحيان ، لا يعون ما يفعلون والوالدان يرتبـطـان ، بلا وعي ، بأطـفالهما بوصـف أولئك الأطـفـال موضوعات أو امتدادات لذاتيهما أكثر من كونهم أفراد مستقلين لهم احتياجات مستقلة أيضا .
هذا يعني أن الوالدين عاجزان ، عند هذه المرحلة ، عن توفير الاستحسان الذي يحتاجه الأطفال كي ينجحوا في التحول إلى أناس منفردين ومستقلين بحق.
والطفل في الأسرة التي تكون من هذا القبيل يتلقى سيلا مستمرا من الرسائل عما يجب أن يفعله لإرضاء الأب أو لإرضاء الأم : فهم يقولان له : “لا تغضب” ، “لا تكن أنانيا وسعيا لذاتك ” ، “كن لطيفا” ، “إياك والصباح” .. الخ كل هذه العبارات . والرسالة التي تكمن وراء العبارات التي من هذا القبيل مفادها ، “إياك أن تكون ذاتك … ولكن يجب أن تكون ذلك الشخص الذي يجعلني أشعر أن ذاتي تحسنت ( وإلا سأغضب منك ) .”
والوالد يعتقد أن تلك “القرابة” إنما تكون لصالح الطفل ؛ هذا يعني أيضا أن الوالد يعتقد أن ذلك الهدم وإعادة بناء “إرادة” ( ذات ) الطفل إنما هي لمصلحة الطفل ولكن الواقع ، أن ذلك يصيب الحدث أو الطفل الصغير بالرعب عندما يتلقاه . والسبب في ذلك ، أن الطفل يستشعر ذلك وكان شخصا غاضب منه وقد لا تفي باحتياجات .
تنشئته وتربيته – الاحتياجات المادية والعاطفية ، ونظرا لأن ذلك الحدث ، أو هذا الطفل الصغير يعتمد على والده في حياته ، فإن التهديد بذلك الرفض النفسي يتشابه عند ذلك الحدث ، أو الطفل الصغير بالتهديد بالموت والفناء ، وواقع الأمر أن الطفل لا يعمل فكره في أي شيء من هذا القبيل ؛ نظرا لأن هذه الخواطر كلها ليست سوى تداعيات تحدث للطفل بشكل ألى – داخل أعماق اللاشعور ، والطفل هنا يقوم بتكييف وكبت عواطفه ومدركاته الحقيقية ويقيم لنفسه ذاتا وهمية – أي ذلك الشيء الذي أثبتنا أنه سمة رئيسية من سمات الشخصية المدمنة والوالدان اللذان يستعملان أطفالهما كما لو كانوا مغيرا من مغيرات الحالة النفسية ، شأنهم في ذلك شأن تعاطي المدمن المخدر .
الوالدان ، مع مثل هذا الحال ، يحاولان إشباع احتياجهما إلى الإحساس بأنهما على “المستوى المطلوب” بوصفهما والدين . والوالدان ، شأنهما شأن المدمن ، يريدان الحفاظ على تلك الأوهام التي تحفظ عليهم استمرار ذلك الحل السريع ؛ والوالدان ، بغير هذا الطريق ، يضعان نفسيهما في مواجهة مع واقعهم الداخلي الحقيقي ويتعين عليهم أن يواجهوا مشاعر الرفض واليأس التي لم يواجهونها أو يحلونها . وأنا أؤكد هنا من جديد ، على أن ذلك لا يحدث في الشعور ، واستعمال الوالدين للطفل ، في إشباع احتياجاتهما يحدث بطريقة آلية ، وسبب ذلك أن المدمنين من البشر يجدون أنفسهم مضطرين ومجبرين على السعى إلى إشباع احتياجاتهما التي لم يجر إشباعها ولكن استقلال الأطفال على هذا النحو ، شأنه شأن أية صورة أخرى من صور الإدمان لا ينفع ولا يشفع لصاحبه . إذ أن كل ما يريده الوالد أوالوالده هو التخلص من رفضه الخاص ” وهذا الشيء لا يمكن لأي من الوالدين أن يحققه من خلال أطفاله والطفل مهما حاول السيطرة على سلوكه والتحكم فيه ، سيظل يغضب حينا ، ويشعر بالخوف حينا آخر ، ومن نوى الحاجات حينا ثالثا ، ويسعى دوما إلى الاستقلال ، وأي شيء من هذه الأشياء يهدد بالإخلال بتوازن الوالدين المتأرجح – وبخاصة عندما يشعر
الوالدان أنهما ليسا على المستوى المطلوب وأنهما أصبحا يتعين عليهما الاعتماد على الطفل كي يجعلهما يحسان أنهما على المستوى المطلوب وربما تكون هذه هي الطريقة التي ينمو بها لدى الطفل المعتقد الذي مفاده : “أنا لست على المسـتـوى المطلوب” . ومـعـروف أن الطفل لا يمكن أن يكون مطلقا “على المستوى المطلوب ” الذي يمكن أن يشبع للوالد حاجاته . ( والآباء الذين يكونون من هذا القبيل ، لا يمكن لهم إشباع حاجاتهم الداخلية وكسر دائرتها إلا بعد أن يعترفوا بتلك الخسائر ويقـرونـهـا ويعترفون أيضا بذلك الرفض الذي عانوا منه أيام طفولتـهم من ناحية ، ثم يندمون على ما فعلوا من الناحية الأخرى . )
والطفل مع مثل هذا الموقف يتولد لديه معتقد مـفـاده ، “لابد أنني لست على المستوى المطلوب في أمـر مـا ؛ أنا في نقيصة من النقائص ؛ أنا لست على المستوى المطلوب” . وهنا يتحرق الطفل شوقا إلى شيء يجعله “كاملا” . ونظرا لأنه أصبح يعتقد أن المصادر الخارجية عن ذاته ( المخدرات ، البشر الآخرين، وبعض الأنشطة ) يمكن أن تحقق له ذلك ، فذلك يجعله عرضه للإدمان والدخول في دائرته.
وهنا نجد أن الأدوار قد انعكست ، إذ أصبح الطفل “والدا” . والسبب في ذلك أن مثل هذا الطفل أصبح يتعين عليه العناية باحتياجات الأم والأب الإدمانية ، هذا يعني أيضا أنه لم يعد قادرا على الدخول في أحضان الحب الأبوى وألفي نفسه معرضا ضعيفا وسلبيا وله احتياجات ، شأنه في ذلك شأن أي طفل آخر. لقد أصبح يتعين على مثل هذا الطفل أن يحشد ذاتا وهمية تستطيع إشباع احتياجات والديه بدلا من إشباع احتياجاته هو .
ونتيجة هذا الرفض العاطفي عند كثير من الأطفال هي “الاستقلال” سابق الأوان معنى ذلك ، أن أولئك الأطفال لا يستطيعون الكشف عن احتياجاتهم الإدمانية الخاصة – أو حتى يستشعرون تلك الاحتياجات – نظرا لأن تلك الاحتياجات لم تتهيأ لها فرصة لإشباع . من هنا فإن هذه النوعية من الأطفال تتظاهر بأنها ليست بحاجة إلى الرعاية و التنشئة ويدخلون مرحلة الرشد وهم لم تتهيأ لهم قط فرصة إشباع مشاعر إدمان البلوغ عندهم . ولذلك يكون هدفهم الأول ، في المراحل التي تلى ذلك ، هو البحث عن “موضوع” بديل يعتمدون عليه ، أو إن شئت فقل يدمنونه – وذلك في محاولة فاشلة منهم لإشباع احتياجاتهم التي لم يجر إشباعها من قبل .
ومع مثل هذا المناخ المليء بالوعيد والتهديد ، نحن لا نرجح أن تكون لانا قد حصلت على ذلك الذي تحتاجه كي تصبح بالغة مستقلة . وواقع الأمر أنها لا تحصل على ذلك بالفعل . ولكن لانا اليوم ، وهي الآن في سن الثلاثين ، يتعين عليها أن تحصل على علاقة حميمـة ودائمة من أي نوع . ولكنها بدلاً من ذلك ، تقرر اصطياد الرجـال من حانات الشراب ، وتغريهم “بالطمع فيها جنسيا” ، ثم تتخلص منهم ( وعادة ما يكون
ذلك التخلص قبل أن يعاشروها جنسيا ومن السهل هنا ، أن نتبين شـهـوة لانا إلى القـوة ( التي ترسـبت لديهـا من إحساسها بقلة الحيلة أيام طفولتها ) ، والتي تعد سمة أساسية من سمات الشخصية المدمنة ، وهي تفصح عن نفسها في ذلك الإجبار أو الإكراه . ولانا تغـوى الرجـال ثم تتخلص من الرجـال الذين تطاردهم ، إنما تكرر هنا عندما من الأنماط التعيسة التي لاقتها في طفولتها . وهي يتحتم عليها الرفض عند هذه المرحلة ؛ لتثبت لنفسها أنها امرأة قوية . ومع ذلك ، فإن لانا، في داخلها ، ما تزال وبلا أدنى شك طفلة مؤدبة ومن نوى الحاجات .
ولكن ماذا عن المدمن الذي ينحدر من أسرة “طيبة” ، أسرة “سليمة” من الأسر المعتادة ، أو إن شئت فقل : أسرة تؤدى وظيـفـتـهـا بطريقة صحيحة ولها كيانها واعتبارها في المجتمع ؟ وهنا قد نتساءل دهشة : “كيف يمكن أن يحدث ذلك ؟” هذا يحدث بالفعل ، والسبب في ذلك أن الأسرة التي قد تبدو من خلال ظواهرها أسرة تحرص على راحة أعضائها ، تكون فردية الطفل فيها مهملة مثلما هي في الأسر الفوضوية تماما – وذاتية الفرد ، في هذه النوعية فقط من الأسر ، تكون مخبئة خلف قشرة ثمينة من الصلاح الاجتماعي . وفي هذا النوع من الأسر ، يكون ذلك الذي يتلقاه الطفل ، عبارة عن شكل ملطف من أشكال “الحب الوهمي .”
والرفض العاطفي هو والإساءة العاطفية ، أو إن شئت فقل : الإهمال ، عندما يكون موجودا ولكن بصورة مستورة ، قد يجعل من الصعب على الطفل – ربما بعد ذلك على الطفل – الراشد – أن يأخذ بتلابيب الأمر . والشخص الذي يكون من هذا النوع يحس في داخله جرحا عميقا غير أنه لا يتوفر له دليل على ذلك الجرح . والشخص ذكراً كان أم أنثى – عندما يجد نفسه في ورطة يظل فيها الرفض خبيئًا ومستنكرا ، يزداد إحـسـاسـه بالذنب زيادة كبيرة . ونظرا لأن الوالد هو الذي يقوم بدور “الوالد الصالح” ظاهريا ، فالطفل – ذكرا كان أم أنثى – قد يستنتج أنه يخطئ عندما يغضب أو يتذمر وهنا يستشعر الطفل أو الطفلة أن “كينونته” لها أثر مدمر على والده ، ومن هنا يحاول الطفل مواصلة كبته لذاته الحقيقية والسيطرة عليها ، التي تبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاما وتعمل بالتدريس ، تدمن دورين الدين كما تدمن التهام الطعام أيضا ، نشأت وتربت في أسرة : سليمة تقول ظواهرها إنها تؤدى مهام وظيفتها أداء حسنا . ولكن المشاهد كانت تخفي وراءها قدرا كبيرا من
والدة دورين تتحدث عن القمع و الكبت العاطفيين .
فى الوقت التى كانت ايرما تتحدث عن مدى سعادة” أسرتها “وترابطها” ، لم يكن ذلك الترابط أو تلك السعادة واضحين .
وخلاصة القول : إن تلك الأسرة كانت خالية من الحياة كانت إيرما ، الأم ، طفلة – راشدة لأب صـارم وقـاس من الذين يدمنون المشروبات الكحولية ، أما الأم فكانت تربطها بالأب قرابة بعيدة ؛ من هنا أصرت إيرما على أن يكون الأمر مختلفا مع أطفالها . كانت إيرما تحاول مط أسطورة “إننا أسرة سعيدة” ، إذ كان من المهم لها تماما أن تنتج أسرة سعيدة . كان دافع إيرما خيرا أي أن يكون بيت أطفالها أفضل من ذلك الذي تربت فيه . ولكنها فشلت في أن تفهم وتعي أننا لا يمكن أن نتحكم في تجارب الناس أو نسيطر علـيـهـا . هذا يعني أننا لا نستطيع وليس في إمكاننا “أن نجعل الناس سعداء بأن نقول لهم : كونوا كذلك ومسألة أن تكون لدينا قائمة أو جدول أعمال بما ينبغي أن يفعله الناس يستحيل معها على الحميمية الحقيقية أن تنمو وتتطور .
واقع الأمر ، أن إنكار واقع الطفل يعد واحدا من أبشع السلوكيات المدمرة المولدة للادمان التى يقع فيها الاب وهذا هو رولو ماي ، يستشهد بأشياء تتصل بهذا الموضوع ، من دراسة تتناول النسوة اللاتي تعانين من القلق ( الحصر ) الشديد ( الذي هو بمثابة الشرارة المستبدئة للإدمان ) .
وقد اكتشف مای في مجرد الرفض من قبل الأم أو رعاته الأوائل ، وإنما في الرفض الذي ينتشر حوله
العـالـم الذي نعيش فيه ، أو إن شئت فقل : إن القلق “ينتج عن عجزنا عن توجيه أن السبب الحقيقي بل والمصدر الحقيقي أيضا للقلق لا يتمثل نواتنا فيه .
الكحولية : إن ثمانين في المئه من البشر الذين تربوا مع والدين كان نفسيهما طفلين راشدين من أطفال المشروبات الكحولية قيل لهم إنهم محبوبون ، وإن عشرين في المئة فقط هم الذين أحسوا ذلك الحب وشعروا به . وتقول الدراسة أيضا إن خمسة وسبعين في المئة لم يقل لهم قط إن إدمان الكحول كان في الأسرة ، وأن ثمانين في المئة من عينة هذه الدراسـة قـيـل لهم مـرارا إن “أسرتنا أسرة سعيدة” . وهذا ليس بالأمر المستغرب أو المثير نظرا لأن الأسرة المدمنة مختلة الوظائف تحاول جاهدة ، أكثر من الأسر الأخرى توصيل تلك الصورة الخارجية ، في حين أن الأسر السليمة تسمح بمجال فسيح للتعبير عن العواطف والتجارب .
إذن ، ففي هذين النوعين من الأسر : الأسر التي يكون فيها الإهمال والإساءة صريحين وتلك التي يكون الرفض فيها أكثر غموضا وخبيئًا ، يدخل الطفل مرحلة البلوغ ، أو إن شئت فقل : مـرحلة الرشـد ، واحـتـيـاجـات تربيـتـه ورعـايـتـه لـم يجـر إشباعها .